كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



و{الجبت} السحر {والطغوت} الشيطان وقيل هما صنمان بدلنهم جلودا غيرها أما من يقول إن الروح هو المعذب فلا سؤال عليه ومن قال إنه جملة الإنسان فجوابه أن تبديل الجلود بإفنائها وإعادتها بده كحال القمر في ذهابه عند السرار ثم عوده بعده وكما يقال صاغ له غير ذلك الخاتم وجاء بغير ذلك اللباس {ظلا ظليلا} أي كذبنا فرقا بينه وبين ظل ذي ثلث شعب لا ظليل وقيل إنه كقولهم جن جنونه وجرحت جوارحه قال رأت نضو أسفار أميمة شاحبا على نضو أسفار فجن جنونها فقالت من أي الناس أنت ومن تكن فإنك مولى أسرة لا يزينها {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات} في مفتاح الكعبة أخذه النبي عليه السلام يوم الفتح من بني عبد الدار وأولى الأمر هم الأمراء عن ابن عباس والعلماء عن الحسن ومجاهد وعطاء {وأحسن تأويلا} عاقبة ومرجعا من آل يؤول إلى الطغوت هو كعب بن الأشرف {وحسن أولئك رفيقا} وحده لما دخله من معنى التمييز ولهذا يدخل من في مثله ويجوز توحيده على معنى الجنس والحال كقولهم شدرهم فارسا أي في حال الفروسية وهذا أولى لأنه قل ما يميز بأسماء الصفات {وخذوا حذركم} أي سلاحكم أو معناه احذروا عدوكم {وإن منكم لمن ليبطئن} أي المنافقين لأنهم يثبطون الناس عن الجهاد ولام لمن لام الابتداء ولهذا دخلت على الاسم والثانية لام القسم ولهذا دخلت مع نون التوكيد على الفعل {كأن لم تكن بينكم وبينه} أي وبين محمد مودة اعتراض بين القول والتمني أي بين {ليقولن} وبين {يليتني كنت معهم}، {في بروج مشيدة} قصور مجصصة والشيد الجص وقيل مبنية في اعتلاء وارتفاع شاد البناء وأشاده وشيده وعن السدى إنها بروج السماء وعن الربيع إنها قصر في السماء.
وفي معناه قال الهذلي:
يقولون لو أن كان بالرحل لم يمت ** نشيبة والأنباء يكذب قيلها

ولو أنني استودعته الشمس لاهتدت ** إليه المنايا عينها ودليلها

{ويقولون طاعة} أي منا طاعة أو أمرنا طاعة كما قال المخزومي فقالت على اسم الله أمرك طاعة وإن كنت قد كلفت ما لم أعود {لا تكلف إلا نفسك} أي إلا فعل نفسك {شفاعة حسنة} يعني الدعاء للمؤمنين والشفاعة السيئة الدعاء عليهم والكفل النصيب والمقيت الحفيظ المقتدرأقاته يقيته {فما لكم في المنافقين فئتين} أي مختلفين فيهم طائفة تقول هم منا وطائفة تقول ليسوا منا.
وانتصاب {فئتين} على الحال كما تقول مالك قائما في حال القيام وبعضهم ينصبه على معني خبر كان كأنه قال كم لبثت قائما {أركسهم} وركسهم ردهم ونكسهم.
{إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق} أي يدخلون في قوم أمنتموهم نزلت في بني مدلج كان بينهم وبين قريش عهد فحرم الله من بني مدلح ما حرم من قريش {أو جاءكم حصرت صدورهم} أي ضاقت وحصرت صدورهم نصب على الحال كقولك جاءني فلان ذهب عقله ويجوز على معني الدعاء فيكون اعتراضا.
{أركسوا فيها} وجدوا راكسين فيها أي مقيمين فيها إلا خطئا استثناء منقطع بمعنى لكن وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثق أهل الذمة من أهل الكتاب درجت نصبها على البدل من قوله: {أجرا عظيما} {فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم} جاء عسى فيمن يعفي عنه ترهيبا وتصعيبا لأمر غيرهم كما قيل ولم تر كافر نعمي نجا من السوء ليت نجا الشاكر ومثله بقربك داران مهد ومتان ودارك ثالثة تهدم فليت السلامة للمنصفين تدون فكيف لمن يظلم.
{مراغما} متسعا لهجرته كأنه موضع المراغمة كالمزاحم موضع المزاحمة فيميلون عليكم ميلة واحدة أي يحولون فإذا اطمأننتم رجعتم إلى الوطن أو أمنتم العدو كتبا موقوتا فرضا موقوتا يختانون أنفسهم يخونون بها بأن يجعلوها خائنة هأنتم هؤلاء جدلتم عنهم هؤلاء كناية عن اللصوص الذين يجادل عنهم وهو غير أنتم فلذلك كرر ومن يكسب خطيئة أو إثما الإثم غير الخطيئة فإن الإثم في هذا الموضع ما يقتطعه الإنسان من مال من لا يجوز الاقتطاع من ماله فيكون المعنى من يكسب ذنبا بينه وبين الله أو ذنبا هو من مظالم العباد فهما جنسان فحسن دخول أو فيهما والبرئ المذكور اليهودي الذي طرح ابن أبيرق الدرع عليه أن يضلوك يهلكوك قال النابغة:
فأب مضلوه بعين جلية ** وغودر بالجولان حزم ونائل

أي دافنوه إلا إنثا أي ضعافا عاجزين سيف أنيث كهام غير قطاع ألا ترى أن الإناث من كل شيء أراذله مفروضا معلوما فليبتكن ءاذان الأنعم يشقون أذن البحيرة وقيل يشقوها نسكا لما يعبدون من الأوثان فليغيرن خلق الله أي دين الله وقيل ذلك التغيير بالخصاء وقيل بالوشم وكره أنس خصاء الغنم.
{وما يتلى عليكم في الكتب} موضعه رفع بالابتداء وخبره محذوف على تقدير وما يتلى عليكم في الكتاب مبين {إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما} أي الله أرأف بالفقير منكم وأعلم بحال الغني نزلت في غني وفقير اختصما إلى النبي عليه السلام فظن أن الفقير لا يظلم الغني فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا أي عن الحق وقيل كراهة {أن تعدلوا} أي لا تتركوا العدل بالهوى {وإن تلووا} من لوى يلوي ليا إذا مطل ودافع أي وإن تدفعوا بأداء الشهادة {أو تعرضوا} أو تكتموها {يأيها الذين ءامنوا} أي بالأنبياء السابقين والكتب السالفة {ءامنوا} بمحمد وقيل إنه خطاب للذين وصفهم بقوله من الذي قالوا ءامنا بأفواههم ولو تؤمن قلوبهم.
{إن الذين ءامنوا ثم كفروا ثم ءامنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا} يعني به المنافقين فالإيمان الأول دخولهم في الإسلام وحفنهم به الدماء والأموال وإيمانهم الثاني نفاقهم بقولهم إنا مؤمنون مع ما علم من نفاقهم وما ازدادوا من الكفر إنما هو بقولهم إنما نحن مستهزءون بشر المنفقين على مجاز قول الشاعر:
وخيل قد دلفت بها بخيل ** تحية بينهم ضرب وجيع

وقول آخر:
ركبت أخاهم حتى التقينا ** يعج نجيعه فوق التراقي

دلفت له بأبيض مشرفي ** كما يدنو المصافح للعناق

وقال آخر:
فلولا خلة سبقت إليه ** وأخو كان من عرق المدام

دنوت له بأبيض مشرفي ** كما يدنو المصافح للسلام

{ألم نستحوذ عليكم} ألم نحط بكم للمعونة وقيل نستول عليكم استحوذ إذا غلب واستعلى وكان القياس استحاذ مثل استعاذ واستطاع إلا أنه جاء على الأصل من غير إعلال {مذبذبين} مترددين متماثلين قال النابغة:
ألم تر أن الله أعطاك سورة ** ترى كل ملك دونها يتذبذب

بأنك شمس والملوك كواكب ** إذا طلعت لم يبد منهن كوكب

وقيل إن معناه معنى قول الشاعر:
خيال لأم السلسبيل ودونها ** مسيرة شهر للبريد المذبذب

أي المهتز القلق الذي لا يثبت في مكان فكذلك هؤلاء يخفون تارة إلى هؤلاء وتارة إلى هؤلاء فبما نقضهم ما ليست بزائدة لأنا ننزه القرآن عنها ولكن كان فبشيء أو أمر عذبناهم أو لعناهم ثم فسر ذلك بما هو بدل عنه من نقضهم الميثاق وكفرهم وغير ذلك.
{وما لهم به من علم إلا اتباع الظن} أي ما لهم به من علم هل كان رسولا أو غير رسول وما قتلوه يقينا ما قتلوه حقا ولكن شبهوا على قومهم بإلقاء ثيابه على غيره تلبيسا وتدليسا وقيل: ما قتلوه يقينا ما تبينوه علما فيرجع الهاء إلى الظن من قولهم قتلت الشيء علما وقتلته ممارسة وتدليلا قال فقلت اقتلوها عنكم بمزاجها وحب بها مقتولة حين تقتل.
وقال شقران للوليد بن يزيد:
إن الذي ربضتما أمره ** سرا وقد بين للناخع

لكالتي يحسبها أهلها ** عذراء بكرا وهي في التاسع

الناخع الذي قتل الأمر علما ومنه نخع الشاة ذبحها بل رفعه الله إليه أي رفعه إلى موضع لا يجري عليه أمر أحد من العباد كقول إبراهيم إني ذاهب إلى ربي أي إلى حيث أمرني ربي.
{وإن من أهل الكتب إلا ليؤمنن} أي ما من أهل الكتاب أحد إلا ليؤمنن بالمسيح أحد أيدأ فقدر في كل نفي دخله استثناء {قبل موته} أي قبل موت المسيح إذا نزل من السماء وقيل قبل موت الكتابي عند المعاينة رواه شهر بن حوشب عن محمد ابن الحنيفة حين سأله الحجاج عنها فقال أخذتها من عين صافية.
المقيمين الصلوة نصب على المدح وهو في كلام العرب أشهر من كل شيء فلا يصح ما يروى عن عائشة أنها قالت لعروة يا بني هذا مما أخطأت فيه الكتاب وقيل تقديره والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وإلى المقيمين الصلاة.
أو تقديره: يؤمنون بما أنزل إليك وبالمقيمين الصلاة، أي يصدقون بالكتاب وبالمؤمنين كقوله: {يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ}.
ثم قوله: {وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} رفع مستأنف.
{لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ} إذ قالت اليهود لا نشهد بما أنزل الله، فشهد الله بما أظهر من المعجزات.
{فَآمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ} على ضمير الجواب: أى: يكن خيرا لكم.
وكذلك قوله: {انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ}.
{يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا}.
أي: لولا تبيينه.
وقيل: معناه: كراهة أن تضلوا.
تمت سورة النساء. اهـ.